يوم الخامس من مارس هاجم مسلمو قرية صول بأطفيح القريبة من القاهرة كنيسة القرية ونهبوا ما بداخلها ثم أضرموا فيها النيران وبعد أن خمدت ألسنة اللهب تجمهر عدد كبير من المسلمين حول الكنيسة المحترقة وهدموا ما تبقى منها وهم يصيحون “الله أكبر”. إمعانا في انتهاك قدسية الكنيسة لعب هؤلاء المسلمون كرة القدم برفات الشهداء والقديسين الموجودة بداخل الكنيسة ثم قرروا أن يحولوها إلى جامع فأقاموا فيها الصلاة ليعطوا مثالاً حياً على حوادث تكررت على مر التاريخ الذى شهد اغتصاب عدد لا يحصى من الكنائس وتحويلها إلى جوامع. ثم بدأوا فى ترويع الأقباط وتهديدهم بخطف واغتصاب الفتيات المسيحيات فهرع الآلاف من المسيحيين هرباً من القرية. (إقرأ هنا خطاب يناقش هذه الواقعة وأحداث مماثلة موجه من عشرين من أعضاء الكونجرس الأمريكى إلى قيادة الجيش المصرى).
السبب وراء هذا الهجوم الوحشى على الكنيسة مشادة نشبت بين اثنين من المسلمين بسبب علاقة عاطفية بين شاب مسيحي وشابة مسلمة انتهت بأن قتل الاثنين بعضهما إلا أن جنازة أحدهما تحولت إلى مظاهرة عنيفة قرر المشاركين فيها صب جام غضبهم على مسيحيي البلدة وكنيستهم.
أُوكلت للشيخ محمد حسان – أحد شيوخ السلفيين – مهمة الذهاب للقرية للتحقيق فى الحادثة فظهر على شاشة التليفزيون المصري وبعد أن أكد للمشاهدين الأقباط أن الإسلام دين سلام ورحمة وعدل أعلن للجميع أن الشباب المسلم الذي اقتحم الكنيسة لم يكن ينوى تدميرها إنما اقتحموها بحثاً عن الشاب القبطى ولكن بعد دخول الكنيسة وجدوا بداخلها كتباً بخطوط غريبة (كتب القداس والألحان باللغة القبطية القديمة التى تستخدمها الكنيسة القبطية) وأوراقاً كتب عليها أسماء لأشخاص مسلمين ففهم الشباب المسلم أنها أعمال سحر يقوم بها الأقباط داخل الكنيسة ولذلك قاموا بهدمها ( كثير من المسلمين يبجلون السيدة العذراء ويكتبون أسماءهم على أوراق ويضعونها أمام أيقونتها طلبا لمعجزة أو شفاعة)
لم يستنكر الشيخ حسان الهجوم على الكنيسة ولم يندد بمرتكبي الجريمة بل وصل به الأمر أن أشار إلى الأقباط على أنهم الذميين أو أهل الذمة مما أثار حفيظة الأقباط سكان مصر الأصليين. وقد علق أحد الأقباط قائلا: حسان يريد أن يجعلنا ذميين! كنت أعتقد أننا نعيش فى بلد يحكمه القانون وتحميه الشرطة ولسنا فى مكة أو المدينة قبل أربعة عشر قرناً! ربما تكون هذه هى الخطوة الأولى على طريق فرض الجزية على المسيحيين مقابل الحماية”
برغم أن القصة كلها تبدو وكأنها حكاية من العصور الوسطى بما فى ذلك منطق الشيخ حسان وحديثه الخارج عن إطار الزمن عن السحر إلا أن كل ذلك لا يفاجئنا إنما المؤسف فعلا هو موقف الجيش المصرى الذى صوره الإعلام قبل أسابيع قليلة وكأنه المنقذ النبيل للشعب المصرى إلا أننا رأيناه فى هذه الأزمة يظهر تحيزاً واضحاً ضد المسيحيين وكذلك فعل أيضاً الإعلام العربى الذى كان منذ عدة أسابيع فقط يرصد ويغطى أحداث الثورة المصرية على مدار الساعة.
الجيش المصرى الذى وصفه الإعلام الغربى بالشهامة عندما امتنع عن الدخول فى مواجهات مع المدنيين أثناء مظاهرات ميدان التحرير رأيناه اليوم يطلق يد الغوغاء الذين هاجموا الكنيسة بوحشية وأعملوا فيها النهب والتدمير والحرق لساعات طويلة بلا رادع. بل أن هذا الجيش نفسه لم يتورع عن إطلاق النار على مظاهرات مسيحيين عزل خرجوا بمنطقة المقطم يستنكروا حرق الكنيسة فقتل الجيش تسعة منهم وأصاب العشرات إصابات بليغة كما تعرض الكثيرين للضرب بالهراوات الكهربائية. وقد أفاد المحامى شريف رمزى الذى كان من بين الذين اعتدى عليهم الجيش أن الجنود كانوا يصيحون “الله أكبر” قبل الهجوم على المتظاهرين الأقباط مما يؤكد أن الجيش مخترق فعلياً من الجماعات الإسلامية.
لم تكن تلك هى المرة الأولى التى يعتدى فيها الجيش على الأقباط بعد تنحى مبارك ففى نهاية فبراير توجهت القوات المسلحة بالدبابات إلى الصحراء وفتحت النار على دير يرجع تاريخه إلى القرن الخامس الميلادى (كما توجه اتهامات للكنائس بممارسة السحر توجه اتهامات للأديرة أيضاً بتخزين أسلحة). وهكذا لم يتحرك الجيش ولم تصل أى قوات أمن حين هاجم المسلمون وظلوا يهدمون لأكثر من عشرين ساعة كنيسة قرية صول التى تقع بالقرب من العاصمة المصرية القاهرة.
أين الإعلام المصرى والعربى من كل ذلك؟ اكتفى الإعلام العربى إما بالإشارة بشكل عابر للأحداث المؤسفة أو حاول التقليل من حجمها وتصويرها على أنها مجرد مشاحنات طائفية كما امتنع الإعلام العربى عن تغطية المظاهرات الحاشدة أمام مبنى التليفزيون المصرى فى ماسبيرو حيث تجمع الأقباط فى محاولة للفت أنظار العالم للمطالبة بإعادة الكنيسة (التى تحولت إلى جامع يحمل اسم “جامع الرحمة”) والمطالبة بحق الأقباط فى العودة إلى قريتهم.
قد يظن البعض أن تلك المظاهرة الحاشدة التى قدر المشاركين فيها بما يقرب من اتنين مليون من بينهم كثير من المسلمين الذين انضموا لمساندة شركائهم فى الوطن من المسيحيين تستحق تغطية إعلامية ولكن كما يقول الأستاذ وحيد فى برنامجه “الدليل":
اهتمت قناة الجزيرة بتغطية ونقل كل تفاصيل الأحداث فى ميدان التحرير على مدى عشرين يوماً والآن نسأل أين الجزيرة عندما تعرض المسيحيون فى مصر للهجوم؟ أين الجزيرة عندما نزل المسيحيون الشارع للاحتجاج وناموا أمام مبنى التليفزيون على مدى عشرة أيام؟ أم أن الجزيرة ترى أنهم مجرد كفار وذميين لا يستحقوا الاهتمام؟ قناة الجزيرة تدعى أنها تمثل الإعلام الموضوعى النزيه فى الشرق الأوسط ولكن أين هى مما حدث فى ماسبيرو؟ لقد أثبتت قناة الجزيرة أنها واحدة من أسوأ المؤسسات الإعلامية المنحازة التى تهتم بالأحداث فقط إذا كانت تتعلق بالمسلمين ولكن إذا كانت تتعلق بالمسيحيين فقناة الجزيرة تتجاهلها. فى الواقع هذه أزمة إعلامية بالغة الخطورة إذ لا يوجد فى الشرق الأوسط إلى يومنا هذا إعلام موضوعى ينقل الأخبار كما هى.
بعيداً عن مغزى كل ذلك بالنسبة للأقباط وأثره عليهم أعتقد أن المحللين والمراقبين الغربيين يجب أن يشعروا بالقلق من تلك الفجوة الإعلامية إذ كان الإعلام الغربى كله مجرد تابع لقناة الجزيرة أثناء مظاهرات ميدان التحرير وعندما تجاهلت قناة الجزيرة المظاهرات الحاشدة التى قام بها الأقباط لم يسمع الغرب عنها شيئاً مما يدل على أن الإعلام الغربى بوجه عام يعتمد على الإعلام العربى وخاصة قناة الجزيرة للحصول على أخبار الشرق الأوسط. ليس المقصود هنا أن الغرب يوافق على وجهة النظر التى تقدمها قناة الجزيرة ولكن المقصود أن وصول أخبار معينة إلى الإعلام الغربى وبالتالي إلى المجتمع الغربى يعتمد فى الأساس على قرار قناة الجزيرة المعروفة بميولها الإسلامية إذا أرادت نقل الخبر أو حجبه.
المثير للقلق فعلا هو ما أظهرته تلك الأحداث من عمق التوجه الإسلامى للمؤسسة العسكرية المصرية وإن كنا لا نستغرب ذلك إذ نشأت حركة الأخوان المسلمين كحركة شعبية تغلغلت فى الثقافة المصرية على مدى عقود طويلة ومن ثم نتوقع أن يكون كثير من المجندين فى الجيش المصرى قد تلقنوا تربية إسلامية متشددة. وهكذا نرى المؤسسة العسكرية تترك عدد من الشباب العلمانى الذى قام بالثورة فى السجون بينما تطلق سراح عدد من الجهاديين من بينهم عبود الزمر الذى أعلن فى أول مقابلة إعلامية له أنه يجب فرض الجزية على المسيحيين المصريين مؤكدا بذلك أن الأقباط تحت الحكم الإسلامى سوف يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية. وجدير بالذكر هنا أن الزمر لم يكن مسجونا بسبب آرائه المناوئة للمسيحية ولكن بسبب تورطه فى قضية اغتيال السادات لعقده اتفاق سلام مع إسرائيل.
التوجه الإسلامي للمؤسسة العسكرية المصرية ينذر بأن التغيير القادم قد يكون نحو الأسوأ ليس فقط بالنسبة للأقباط ولكن دولياً أيضاً إذ أن مواقف القيادة المصرية المعادية للمسيحيين تتفق مع مبدأ ثابت فى الإسلام وهو معاداة الكفار ولذلك نتوقع أن تكون مواقفها من أمريكا وإسرائيل عدائية أيضاً فالكل كفار وبالتالي هم أعداء. الفرق الوحيد أن الأقباط ضعفاء بينما أمريكا وإسرائيل أقوياء فى الوقت الحاضر ومن ثم فإن العداء المعلن من نصيب الأقباط الآن بينما يبقى العداء مستتراً إلى حين بالنسبة للآخرين.