تحدثنا فى الأسابيع الأخيرة عن هوس العالم الإسلامى بكسب متحولين جدد إلى الإسلام وكيف حلل أحد المفكرين العرب ذلك الهوس بأنه دليل على معاناة شديدة من عقدة الشعور بالدونية. إلا أن الشعور بالدونية ليس العلة النفسية الوحيدة التى يعانى منها المسلمون إذ تتجلى الأمراض النفسية لدى بعضهم فى محاولة إسقاط وإلصاق مساوئ الإسلام بالأقليات المسيحية المقهورة فى وسط المسلمين.
رأينا مؤخراً العنف والاعتداءات التى تعرض لها الأقباط أو مسيحيي مصر بسبب إدعاءات ليس لها أساس بأن الكنيسة تحتجز نساء قبطيات وتعذبهم بسبب اعتناقهن الإسلام. ومن المؤسف حقاً أن الواقع هو عكس ذلك تماماً إذ أن خطف المسلمين للمسيحيات وإجبارهن على التحول إلى الإسلام يشكل ظاهرة بالغة الخطورة فى مصر.
وقد قامت مجموعة من ثمانية عشر عضواً من الكونجرس الأمريكى العام الماضي بتوجيه خطاب إلى السفير لوي سدباكا، مدير مكتب مكافحة الاتجار فى الأشخاص، للفت الانتباه إلى الزيادة الكبيرة فى أعداد القبطيات اللاتي يتعرضن “للاحتيال والعنف الجسدى والجنسى والاختطاف والزواج الإجبارى والاستغلال عن طريق إرغامهن على العمل بالخدمة فى المنازل أو إجبارهن على ممارسة الدعارة كما أشار الخطاب إلى حصول الأشخاص المتورطين فى عمليات أسلمة المسيحيات على حوافز مالية ( لمزيد من التفاصيل بشأن العنف ضد المرأة المسيحية فى مصر الإسلامية أنظر التقرير الكامل الصادر عن المنظمة الدولية للتضامن المسيحى).
“الإسقاط” هو ظاهرة نفسية معروفة تعنى “أن ينسب الشخص لآخرين ما بداخله من أفكار أو مشاعر أو حتى سلوك”. ويوضح مقال علمى عن العنف وحالات الإسقاط أن “الإسقاط يسمح للقاتل بإلصاق رغباته الشخصية (المرفوضة) فى القتل (أو التعذيب أو الاغتصاب أو السرقة أو التسلط) بشخص آخر أو حتى مجموعة أشخاص يستهدفهم وبذلك يتحول هؤلاء الأشخاص فى ذهنه إلى شياطين مما يجعل فكرة القتل أكثر قبولاً لديه.
استخدم العرب منهج الإسقاط لوقت طويل لتصوير إسرائيل على أنها الشيطان. ودأب الإسلاميون على اتهام إسرائيل واليهود بأنهم “يريدون العيش فى حروب دائمة” و “يستحلون سرقة الأرض باسم الرب” و “يغتصبون أملاك خصومهم”.
الحقيقة أن أكثر ما يكرس للحروب الدائمة هو الشريعة الإسلامية التى تحض المسلمين على اغتصاب الأراضي ونهب أموال غير المؤمنين والأمثلة على ذلك كثيرة تزخر بها تعاليم الإسلام وتاريخه وحتى حاضره. إن معظم ما يسمى بالعالم الإسلامى اليوم هو بلاد غزاها المسلمون واستولوا عليها بالقوة. ورأينا مؤخراً كيف خرج الداعية الإسلامى الكبير أبو اسحق الحوينى يباهى بالجهاد كأحد أهم أركان الإسلام إذ يسمح للمسلمين بالاستيلاء على الغنائم من الكفار وسبى نساءهم وأطفالهم.
ونظراً لأن المسلمين الآن فى موقف ضعف فهم يصورون أنفسهم وكأنهم ضحايا ليس فقط فى مواجهة دولة قوية كإسرائيل لكن أيضاً أمام أقليات صغيرة مستضعفة مثل الأقباط.
وفى حين تتعاون المؤسسة العسكرية المصرية مع الإسلاميين لتحويل حياة أقباط مصر إلى جحيم يخرج علينا الشيخ خالد الجندى ليشكو أن “المسلمين فى مصر لا يتمتعون بنفس الحقوق التى يتمتع بها الأقباط وأن المسيحيين يتمتعون بحقوق أكثر من المسلمين فيما يتعلق بحقوق العبادة” ويؤكد الشيخ الجندى أن هناك حاجة لبناء المزيد من المساجد لأن المساجد الموجودة حالياً غير كافية. يقول هذا رغم أن ما نراه على أرض الواقع هو العكس تماماً إذ لا تسمح القوانين الإسلامية ببناء أو حتى ترميم الكنائس دون الحصول على تصريح من رئيس الدولة شخصياً ولقد رأينا فى الأسابيع الأخيرة من حكم مبارك كيف اقتحمت قوات الأمن المصرية كنيسة السيدة العذراء بالطالبية ومنعت استكمال بناء الكنيسة وهدمت السلالم ودورات المياه.
وبينما يشكو الشيخ الجندى من حصول المسيحيين على حقوق أكثر من المسلمين تبقى الحقيقة التى لا يمكن تجاهلها إذ يسكن أكثر من مليون قبطى فى منطقة الطالبية ولا توجد كنيسة واحدة تخدمهم فيضطرون للسير مع أطفالهم عدة كيلومترات صباح كل أحد للوصول إلى أقرب كنيسة فى حين أن المنطقة مليئة بالجوامع التى بنيت بدون تراخيص ولم يعترض عليها أحد لكن الأمر مختلف مع المسيحيين الذين يعانون لسنوات طويلة من أجل الحصول على ترخيص لبناء كنيسة ثم يأتى جهاز الأمن بأى حجة مفتعلة ويمنعهم من الصلاة فيها.
كنا قد شهدنا قبل أيام قليلة كيف تجمع آلاف المسلمين حول كنيسة قبطية رافضين السماح بفتحها ورافضين وجود صليب على قبتها وهددوا بحرقها كما حدث مع كنائس قبطية أخرى.
وشاهدنا الإسقاط النفسى الإسلامي فى أوضح صوره عندما ظهر محمد سليم العوا، الأمين العام السابق للاتحاد العالمى لعلماء المسلمين، فى حديث على قناة الجزيرة فى شهر سبتمبر الماضى وهاجم الأقباط بعنف واتهمهم “بتخزين الأسلحة والذخيرة فى الكنائس والأديرة” ولزيادة الشحن ضدهم اتهم العوا الأقباط بجلب الأسلحة من إسرائيل التى سماها “قلب القضية القبطية” وأكد أن الأقباط “يستعدون لإعلان الحرب على المسلمين” محذراً من أن عدم اتخاذ إجراء مناسب سوف يؤدى إلى “إحراق البلد” ومطالباً المسلمين بالوقوف فى وجه “قوة الكنيسة”. كما أكد العوا فى حديثه أن قوات الأمن المصرية لا تستطيع الدخول إلى الأديرة للبحث عن الأسلحة المخبأة فيها وهى تأكيدات غريبة خاصة أن كل الأديرة القبطية تعيش تحت رحمة الدولة التى لا تهتم حتى بحماية الأديرة من هجمات الإسلاميين والبدو الذين يقومون بخطف الرهبان وتعذيبهم والبصق على صلبانهم. ورأينا مؤخراً كيف هاجم الجيش دير أثرى فى وسط الصحراء عندما حاول الرهبان إقامة سور لمنع هجمات البدو عليهم وعلى صيحات “الله أكبر” هدم الجنود السور وأطلقوا النار على الرهبان.
وتجسدت تلك الإسقاطات الفجة العام الماضى فى اتهامات وُجهت إلى البابا شنودة الثالث بطريرك الأقباط البالغ من العمر 86 عاماً والذي يعانى من المرض بأنه عميل لأمريكا يخطف المسيحيات اللاتى تحولن إلى الإسلام ويعذبهن كما اتهموه أيضاً بتخزين أسلحة فى الأديرة والكنائس للقيام بحرب على المسلمين وتقسيم مصر من أجل إقامة دولة قبطية.” ولم تخمد هذه الاتهامات حتى الآن إذ تقدم 46 من المحامين الإسلاميين منذ أيام إلى النائب العام بشكوى ضد البابا شنودة الثالث تطالب بفتح الكنائس والأديرة للتفتيش والتحقق من وجود أسلحة وأماكن لاحتجاز المواطنين بشكل غير قانونى.
كل هذه الاتهامات لا تنطبق إطلاقاً على الكنيسة القبطية لكنها تنطبق تماماً على الإسلاميين الذين يعرف الجميع أنهم اعتادوا خطف القبطيات لإجبارهن على التحول إلى الإسلام.
أما اتهام الكنائس والأديرة بتخزين أسلحة فما هو إلا سخافة فلا يمكن أن يصدق عاقل أن هؤلاء الأقباط الذين يشكلون نسبة 10 إلى 15 بالمائة من السكان فى بلد يسوده الإسلام وتحكمه شريعة تحض على استعباد وإذلال غير المسلمين (كما جاء فى سورة التوبة 9:29) يمكنهم أن يخططوا للسيطرة على مصر بالعنف بعد أن اعتادوا العيش مغلوبين على أمرهم على مدى قرون حتى أصبح كل طموحهم أن يُتركوا وشأنهم.
من ناحية أخرى يسهُل فهم سبب رواج هذه الاتهامات بين المسلمين فالإسلاميين لا ينفكون يخزنون الأسلحة حتى داخل الجوامع استعداداً للاستيلاء على السلطة بالقوة فى أماكن كثيرة وبخاصة مصر التى كانت دائما هدفاً يصبون إليه. الحقيقة أن سليم العوا زل أثناء حديثه فى قناة الجزيرة واعترف أن " الكثير من المسلمين يلقى عليهم القبض كل يوم فى مصر بتهمة التطرف وحيازة أسلحة”.
أما اتهام الأقباط بأنهم يسعون لتقسيم مصر وإقامة دولة قبطية فليس له سند إلا كلمة قالها الأنبا بيشوى قبل عدة أشهر حين قال: “المسلمون ضيوف فى وطننا والمسيحيون هم سكان مصر الأصليون لأن غالبية سكان مصر قبل الغزو العربى فى القرن السابع كانوا مسيحيين” ورغم أنها حقيقة تاريخية لا يمكن إنكارها إلا أن ذكرها أثار غضب المسلمين – كعادتهم - واعتبروها دليلاً على أن الأقباط يسعون لتقسيم مصر وإقامة دولتهم.
لكن الواقع يقول أن الأقليات المسلمة هى التى تسعى عادةً للانفصال عن البلدان غير المسلمة إما عن طريق إقامة دولاً خاصة بهم مثلما الحال فى باكستان أو عن طريق العيش فى تجمعات مغلقة خاصة بهم كما هو حالهم فى الغرب. إن فكرة الانفصال عن الكفار هى أمر فرضه القرآن على المسلمين (فى الآيات 3: 28، 4: 89، 4: 144، 5: 54، 6: 40، 9: 23، 58: 22) أو ما يعرف بمبدأ “الولاء والبراء” الذى يتربى عليه المسلم فيصبح جزءاً أساسياً من تكوينه النفسى ولذلك لا نستغرب أن يقوم المسلم “بإسقاط” دوافعه الانقسامية على الأقباط.
ومن أوضح الأمثلة على “إسقاط” المسلمين لما فيهم على المسيحيين ما نراه فى مجال علوم الدين حيث يحاول المسلمون إلصاق تعاليمهم الإسلامية بالمسيحية. ووسط اتهام الأقباط بتخزين الأسلحة للقيام بحرب ضد المسلمين تعلن هيئة علماء المسلمين بالأزهر أن: “المسيحية دأبت على تطوير سياساتها الخفية والمعلنة الرامية إلى القضاء على كل منافسيها أو تحقير (أتباع الديانات الأخرى) وحرمانهم من كل أسباب الحياة حتى تضطرهم إلى التحول إلى المسيحية”.
لكن الواقع وما يخبرنا به التاريخ وما تقوله التعاليم الإسلامية ذاتها يثبت أن الاتهامات السابقة تنطبق بدقة على الإسلام الذى يشرع الجهاد من أجل “القضاء على منافسيه” ويؤسس مبدأ “الذمية” لغير المسلمين بهدف “تحقير أتباع الديانات الأخرى وحرمانهم من كل أسباب الحياة حتى يضطرهم إلى التحول إلى الإسلام”.
وهكذا عندما يقول الأنبا بيشوى “نحن كمسيحيين نصل إلى حد الاستشهاد إذا أراد أحد أن يمس رسالتنا المسيحية” فإن هذا الكلام يفهمه المسلمون على الطريقة الإسلامية على أنه إعلان “حرب حتى الموت” حتى أن سليم العوا يؤكد فى حديثه الهائج على قناة الجزيرة أن “الأنبا بيشوى أعلن أن المسيحيين على استعداد للاستشهاد وهذا لا يمكن أن يعنى إلا الحرب إذ قال “لو تكلمتم عن كنائسنا فنحن على استعداد أن نصل للاستشهاد” وهذا لا يعنى إلا الحرب”.
فكرة أن الشهيد هو من يحارب ويموت أثناء الجهاد أو “الحرب المقدسة” هى من صميم الإسلام (القرآن 9: 111) وتعريف القاموس المرجع هانزفير عربى/انجليزى لكلمة “شهيد” هو أنه شخص يُقتل فى أثناء الحرب على الكفار. أما على الجانب الآخر فإن الاستشهاد فى المسيحية كان دائماً يعنى أن يتعرض المسيحى للاضطهاد والقتل بسبب رفضه التخلى عن إيمانه المسيحى وهو ما ينطبق بدقة على تاريخ أقباط مصر على مدى قرون وهو أيضاً المعنى الذى قصده بوضوح الأنبا بيشوى (راجع هذا المقال لمعرفة أهم الاختلافات فى مفهوم الاستشهاد بين المسيحية والإسلام).
الخلاصة:
· يستمر الإسلاميون فى خطف الفتيات القبطيات والاعتداء عليهن لإجبارهن على التحول إلى الإسلام – لكنهم الآن يتهمون الأقباط بارتكاب نفس الأفعال.
· يستمر الإسلاميون فى تهريب الأسلحة وتخزينها داخل الأماكن المقدسة لديهم – لكنهم الآن يتهمون الأقباط بهذه الأفعال ذاتها.
· يسعى الإسلاميون باستمرار إما للانفصال عن بلدان يعتبرونها كافرة أو لغزو تلك البلدان الكافرة - والآن يتهمون الأقباط بعمل نفس الشىء.
· يسعى الإسلاميون إما للقضاء على الكفار أو إخضاعهم تحت سيطرتهم تطبيقاً لما أمرهم به الإسلام من جهاد وذمية غير المسلمين - ويُتهم الأقباط الآن بارتكاب نفس الأفعال.
· الاستشهاد فى الإسلام يعنى أن يحارب الإنسان ويموت أثناء حروب جهادية والآن يحاولون القول أن الاستشهاد فى المسيحية يعنى نفس الشىء.
ربما يساعد كل ذلك على فهم المأساة التى يعيشها الأقباط كما وصفها الناشط القبطى منير بشاى بقوله: كنا نشكو لنطالب بحقوقنا وفجأة وجدنا أنفسنا فى موقف دفاع عن النفس نحاول إقناع الآخرين أننا لا نريد حرمانهم من حقوقهم ... نحن الآن متهمون بجمع وتخزين الأسلحة... ولا نعرف كيف تحولنا فجأة من أناس يقع عليهم اضطهاد إلى أناس يمارسون الاضطهاد ضد آخرين ، تحولنا من الطرف الضعيف إلى الطرف القوى الذى يمارس الطغيان، من الطرف المعتدى عليه إلى طرف معتدى، من الطرف الفقير إلى أغنياء مستبدين... ولا نعرف كيف انتشرت تلك الأكاذيب دون أن يتغير واقعنا أو حالنا قيد أنملة؟
الإجابة ببساطة تكمن فى أسلوب ينتهجه كثير من الناس، فالمسلمين ينظرون إلى أنفسهم ثم “يسقطون” ما يرونه على الآخرين بغض النظر عن عبثية هذا الإسقاط أو غرابته. الحقيقة أن هذا الأسلوب لا يختلف كثيراً عما يفعله الليبراليون فى الغرب عندما “يسقطون” مفاهيمهم ورؤاهم العلمانية الليبرالية على المسلمين رغم أن كل الدلائل تؤكد أن المسلمين أبعد ما يكونوا عن تلك المفاهيم.
أود أن أضيف هنا أن أسلوب “الإسقاط” الإسلامى ليس محصوراً فى الشرق الأوسط بل حاضر بوضوح فى الولايات المتحدة أيضاً ورأيناه مؤخراً عندما سعى مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية “كير” مع إسلاميين آخرين للضغط على كلية إيفريت لإلغاء الدعوة التى وجهتها الكلية إلى كاتب هذه السطور بدعوى أني “أنشر الكراهية”. لم تلغ الكلية الدعوة لكن ما يهمنا هنا هو أن “كير” والإسلاميين عملوا “إسقاط” للكراهية التى تملأ كتبهم وتعاليمهم ومواقفهم على شخصى أنا وآخرين مثلى ممن لا يفعلون سوى الاقتباس من تلك الكراهية.