“يمكنك أن تجلس هنا لتتحدث عن الجهاد من الآن وحتى يوم القيامة فماذا سوف تستفيد؟ بفرض أنك برهنت بما لا يدع مجالا للشك أن الإسلام بطبيعته عنيف فما الذي يمكنك أن تفعله؟"
هكذا رد حميد دباشى الأستاذ بجامعة كولومبيا أثناء مناظرة أقيمت عام 2008 تحت عنوان “صراع الحضارات” بعدما استمع للحجج التى قدمتها لإثبات أن الإسلاميين يسعون لإقامة الخلافة وإعلان الجهاد ومن ثم إخضاع العالم بأسره للحكم الإسلامى.
اليوم نرى كلمات مبهمة مثل الخلافة والجهاد والشريعة أصبحت شائعة فى وسائل الإعلام يتحدث عنها الساسة ويفهمها الأمريكيون، ولذلك يطرح سؤال دباشى نفسه علينا مرة أخرى.
منذ أن بدأت أخبار الأحداث فى مصر تتصدر وسائل الإعلام حذر الكثير من العارفين ببواطن الأمور من الإخوان المسلمين ومن أن سقوط مصر فى أيدى الإسلاميين سوف يؤذن بتوالى سقوط دول المنطقة كلها تحت سيطرتهم فيما يشبه تعاقب سقوط أحجار الدومينو. حذروا أيضاً من أن منتهى غايات الإسلاميين حول العالم هو إعادة إحياء الإمبريالية التوسعية للخلافة الإسلامية (أنظر ما كتبه أندرو مكارثى مؤخراً). رأينا أيضاً الجدل حول مسألة بناء جامع على الأرض التى كان يقف عليها برجى التجارة العالمية قبل تفجيرات الحادى عشر من سبتمبر وهو الجدل الذى دفع إلى بؤرة الاهتمام مفردات عربية وإسلامية كالشريعة لم يكن يسمع بها من قبل إلا المتخصصين من الأكاديميين.
بينما بدأ الغرب فى النهوض من سباته يحاول فهم الطبيعة الخاصة جداً للعدو والخطر الداهم الذى تشكله أفكار مثل الخلافة والجهاد والشريعة، يبقى على هذا الغرب أن يدرك أنه بحاجة لإيجاد حلول غير تقليدية لمواجهة هذا الخطر. لن يفيد هذه المرة وخاصة على المدى البعيد إتباع الأسلوب الغربى الذى يعتمد السبل النظيفة الأخلاقية فى التعامل مع الصراعات الاجتماعية والسياسية.
إذا نظرنا إلى مسألة الخلافة نجد أن وجودها فى حد ذاته يستتبع بالضرورة حالة دائمة من العداء. تاريخياً وعقائدياً تقوم فكرة الخلافة على إعلان الجهاد فى كل زمان وحيثما أمكن لبسط سيطرة الإسلام وفرض الشريعة الإسلامية على العالم كله وعلى غير المؤمنين. يذكر لنا التاريخ أن ما يدعى اليوم ب"العالم الإسلامى” من المغرب إلى باكستان هو نتاج غزوات قامت بها خلافة إسلامية نشأت فى أرض العربية (السعودية) عام 632 ثم استولت على تلك البلاد واحدة تلو الأخرى.
الخلافة الساعية إلى إعلان الجهاد وفرض الشريعة تعتبر عدواً أيديولوجياً لايلين ولا يمكن مسالمته أو مهادنته عن طريق الدبلوماسية أو إعطاء التنازلات كما يحدث مع من يعادينا بسبب خلافات طارئة. هذه هى الخلافة التى يسعى الإسلاميون حول العالم بحماس محموم لإقامتها وبإمكانهم بالفعل أن ينجحوا إذا لم يتخذ الغرب إجراءات وقائية سريعة وفعالة لمنعهم.
الآن، ماذا يمكن للعالم الغربى أن يفعل قبل أن تصبح الخلافة الإسلامية حقيقة واقعة؟ هل العالم الغربى على استعداد لاتخاذ خطوات استباقية على كافة المستويات السياسية والقانونية والتعليمية وحتى العسكرية إذا تطلب الأمر لتفادى إعادة إحياء تلك الخلافة؟ هل باستطاعة الغرب الآن بينما مازال هو الأقوى أن يتخذ موقفاً رادعاً واضحاً وصريحاً لكسر شوكة أعدائه؟
قد يقول قائل أن الرد على هذا السؤال هو بالإيجاب مشيراً إلى الحرب الاستباقية على العراق. بيد أن هناك فروق دقيقة وهامة بين القضيتين، فالأسباب المحركة لحرب العراق كانت ملموسة وعملية ولها أهداف محددة مثل القضاء على التهديد بوجود أسلحة دمار شامل وإزاحة نظام وحكم صدام حسين عن العراق. ولكن فكرة القيام بحرب لمنع إقامة الخلافة الإسلامية تبدو غير واقعية وغير عملية لأن هدفها ليس القضاء على أسلحة موجودة بالفعل وغير محدد بمواجهة نظام أو حكومة بعينها.
الواقع يقول أن الغرب لا يملك النماذج ولا اللغة السياسية التى تبرر الهجوم على عدو أيديولوجى يرتدى عباءة الدين. إن الموقف الفكرى العالمي الذى أيد وعمل على إسقاط حاكم مستبد مثل حسنى مبارك بسبب عجزه عن التعامل مع المتظاهرين من منطلق حقوق الإنسان، هذا الفكر لن يؤيد بكل تأكيد أن يقوم الغرب بهجوم استباقى يكون من مبرراته وجود خطر “دينى”.
لكن ماذا لو تحول بلد بأهمية وحجم مصر إلى دولة إسلامية؟ إنها خطوة كبيرة على طريق إقامة الخلافة وهو احتمال قائم اليوم بالفعل فهل نستطيع القول أن الاحتمال قائم أيضاً أن يبذل الغرب كل ما فى وسعه لمنع هذا التحول؟ بالطبع لا، وكل ما على الأخوان المسلمين أن يفعلوه الآن لخداع العالم هو الاستمرار فى التظاهر بأنهم “وسطيون” – كما أوضح ستيفن إيمرسون - عندما رفعوا مؤخراً من على الشبكة العنكبوتية لائحة المبادئ الخاصة بهم بما فيها أهدافهم الرامية إلى إقامة دولة إسلامية تكون نواة لإرساء الخلافة الإسلامية.
لقد أبدت إدارة أوباما استعدادها للتعاون مع الأخوان المسلمين وأكدت أنها تفرق بينهم وبين الأصوليين من أمثال “القاعدة” رغم أن شعار الأخوان المعلن يقول:"الله هدفنا والرسول قائدنا والقرآن شريعتنا والجهاد سبيلنا والموت فى سبيل الله أسمى غاياتنا”. كل ذلك بينما دولة دينية أخرى مثل إيران جل اهتمامها هو الآخرة والحساب والعقاب تبدو قاب قوسين من امتلاك سلاح نووى بينما يقف العالم يتفرج مكتوف الأيدى.
أصبح الآن واضحاً للجميع الارتباط الوثيق بين العنف والتعصب وبين مفاهيم مثل الخلافة والجهاد والشريعة ولكن علينا أن ندرك أيضاً أن خطر هذه المفاهيم باق ومستمر ويحمل إرث 1400 عام وهو ما يستوجب التأمل فيما قاله حميد دباشى :" بفرض أنك برهنت بما لا يدع مجالا للشك أن الإسلام بطبيعته عنيف فما الذي يمكنك أن تفعله؟"